السبت، 11 يونيو 2016

قصة قصيرة جداً << انهيار >> للكاتبة المصرية الرائعة الأستاذة / إيمان مختار .... قراءة نقدية : بقلم الكاتب الرائع الأستاذ صالح هشام

 

الديوان ملتقى الأدباء ( مسابقة ملك النقد )
=======================
دراسة نقدية : بقلم الكاتب الرائع الأستاذ صالح هشام / المغرب
<< انهيار >> للكاتبة الرائعة الأستاذة إيمان مختار / مصر
-----------------------------------------------------------
النصّ:
-----
القصة القصيرة جداً
-------------------
<< انهيار >>
من فوق القمة التي حلم بها وقف متأملا ذاته..
أصوات تنبعث من حوله مباركه...وحده من يعلم زيفها..
ارتفع على نزيف شعراء يقتاتون بكلماتهم..
يعلو هتاف الجمهور وينخفص صوت السعادة..
هنا يرى المشهد بوضوح...ما هو إلا نقطة سوداء في لوحة غنية بالألوان..
رأى قيمه تتناثر من حوله..حاول الإمساك بها..أبت..
صار الهواء كفنا لها...وصار هو بلا هوية.
==================================
قراءة نقدية : بقلم الأستاذ صالح هشام في نص ( انهيار )
------------------------------------------------------
1- مقدمة :
تبدأ قراءة أي نص إبداعي شعرا كان أو نثرا من خلال التفكيك ، والتقطيع و الهدم والتجميع وإعادة بناء النص ،وتنطلق هذه العملية من أول عتبة في النص ، أو أي إشارة أو إحالة تمهد الطريق للإبحار في مستغلقاته واستغوار كهوفه ،ولعل أبرز عتبة جاذبة للقراءة هي العنوان :
2-<><><>العنوان :
[انهيار ] عنوان يمارس نوعا من الشغب في ذاكرة القاريء ، اذ لا يعطي كل ما به ،بل يدفع إلى طرح مجموعة من التساؤلات بحتا عن معانيه ودلالاته والغاية من توظيفه ، والإحاطة به تمهيد يجعل الطريق سالكا ،لممارسة الاختراق والعبور في مجاهيل النص و مستغلقاته ، فالقاريء على علم بأن الكلمة عندما تدخل مجال الإبداع الشعري أو النثري تفقد دلالتها المعجمية التي من أجلها وجدت ،وتصبح غير قابلة للاستبدال ، و ذات تقلبات حربائية حسب السياقات والأنساق التي تتبناها ، من هنا تمارس اللغة لعبة اللعب بالحمولات الدلالية ، فماذا تعني هذه الكلمة إن شرحت على مستوى الدلالة المعجمية ، فإنها لن تخرج عن معنى البنية السطحية ومنطوق النص ، فينتفي الانزياح ،و تضيع منا جماليات اللغة السردية ذات الطابع الشعري ونكتفي بلغة الإخبار المباشرة ، وقد لا نستغني عن الإشارة إلى السياق النحوي الذي وردت فيه الكلمة ، فنعتبرها خبرا لمبتدأ محذوف ، مفردة ،نكرة ، لكن في سياق جملة اسمية محذوفة المبتدأ ، فيصبح العنوان على الشكل التالي ( هذا انهيار ) والتعريج على الشرح اللغوي لا يفيدنا في شيء ، لان معرفة وفهم حمولات الكلمات الدلالية تستمد من السياق الذي توظف فيه و تتحقق لذة قراءته ، فالعنوان إذن يكون بمتابة المفتاح الذي بدونه تظل أبواب النص موصدة !
3-<><><>حركية النص :
تقوم قصة {{انهيار}} على حركتين أساسيتين تكونان لحمة النص بصفة عامة ، فالسياق مجموعة من الأنساق المختلفة التي تتوقف أساسا على التناقض والتضاد **حركة داخلية في النص تقوم على كل هذه المواقف والعلاقات النفسية المتناقضة التي يعيشها بطل القصة فالصراع النفسي الداخلي يدعوه إلى وقفة تأمل في خبايا الذات وإ عادة النظر في تلك السلوكات والتصرفات التي اكتشف زيفها و التي أوصلته إلى قمة مزيفة وما بني على وهم مآله الموت الحتمي ، إذ يستيقظ فيه الضمير السليم ، فيحاور نفسه ويخاصمها من أجل أن يصالحها تبعا لما سيترتب عن هذا التأمل من فعل أورد فعل من سخط أو رضى ( من فوق القمة التي حلم بها وقف متأملا ) وما سينجم عن ذلك من انفعالات نفسية ستكون الفعل المؤسس للقصة بصفة عامة ، إضافة إلى مجموعة من الأفعال التي تبين وتبرهن على أن البطل يعيش وضعا داخليا متأزما ، فهو يعلم علم اليقين أن كل ما يحيط به مزيف ،ولا يرقى إلى مستوى الأخلاق السامية و يدوس على المباديء ، وكلما كثر حوله اللغو واللغط الخارجي كلما كان مؤشر نفسيته في الهبوط أوضح وأنصع بياضا ، يعني هذا أن هذه الأفعال الخارجية والتي تتمثل حركة الأصوات المباركة وارتفاعه على نزيف الشعراء وعلو هتاف الجماهير ، إلا وتصطدم بأفعال داخلية متناقضة معها تماما كشعور هذا البطل بنوع من الندم لما اكتشف انه وصل بارتقائه سلما مزيف الأدراج ، وبالتالي بدأت سعادته تهوي إلى الحضيض ( يتقاطع فعل علو الصوت وانخفاض الشعور بالسعادة ) لأنه سيدرك قيمته الحقيقية وليس ما نفخه فيه هؤلاء الكذابون الذين يزيفون الحقائق ، ولعل هذا التناقض القائم مابين الفعل الخارجي والفعل الداخلي المحتدم في نفسيته يضعه أمام واقع لا يراه إلا هو، ويقر - صادقا مع نفسه - بأنه مزيف ، وبالتالي يقف على تلك الحقيقة المزيفة التي استمدها من غيره ،هنا تقوم{{ المفارقة}} كعنصر من أبرز مقومات القصة القصيرة جدا والتي تتحقق في قصة {{انهيار }} بشكل مثير للانتباه ! ،الأفعال تقف على طرفي نقيض : واقعان مختلفان تماما مبنيان على التضاد ، والتناقض ، عالم البطل الداخلي الواعي بزيف القمة والعالم الخارجي المبني على تكريس الزيف والكذب ، ويمكن أن نعطي بعض الأمثلة لهذا التناقض الذي كان أساس المفارقة في النص : (وقوف # تامل .....انبعاث أصوات # علمه بزيفها ......ارتفاع الهتاف # انخفاض السعادة .....رؤية المشهد # اكتشاف الحقيقة ...... تناثر القيم # عجزه عن الإ مساك بها ..... اندثار القيم # فقدان الهوية ) ولعل اختلاف هذه الأفعال تترتب عنها مواقف متناقضة بين عالم والنفاق والكذب ( الجماهير / الآخر ) وعالم اعادة النظر في النفس والوقوف على حقيقتها ( عالم البطل الداخلي # عالم الآخر / الجماهير ) وهذه المفارقة في النص هي التي تحقق لذة القراءة ،و من خلال هذا التشويق الذي ت حقق من خلال هذه الوضعيات ذات الطابع المتناقض والمتضاد [وضعية العالم الداخلي (نفسية البطل ) / وضعية العالم الخارجي ( تزييف الحقائق ) ] إذ تتبادل الأدوار فيصبح عالم البطل واقعيا وعالم الناس الآخرين غير واقعي . يقوم الأول على اكتشاف زيف القمة التي وصل إليها البطل بطرق كاذبة والثاني يقوم على تزييف الحقيقة !
يعتمد هذا الجنس الأدبي المعقد ، على مجموعة من الأنساق التي تتعاضد فيما بينها ، ابتداء من المفارقة كانت عامل شد وجذب للقاريء لمتابعة أحداث القصة إلى الخاتمة أو القفلة التي اختار لها الكاتب ببراعة قيمة إنسانية عالية ، شعر بها البطل وتتجلى ، أساسا في ربطه بين القيم التي ضيعها تزييف الواقع بفقدان هذا البطل لهويته ، هذا يعني أن القيم اذن هي الهوية ،والهوية هي الإنسان : لغته تاريخه دينه انتماؤه الوطني ،أخلاقه ، الخ ،كل هذه المقومات تضيع بضياع هذه القيم ، وبالتالي تضيع شخصية الإنسان لانها هي القيم وهي الهوية !
4-<><><>مستويات اللغة في النص: يقف أي جنس أدبي إبداعي سواء كان شعرا أو نثرا على مستويين من اللغة وفي قصة {انهيار } يمكن الاشارة الى هذا التباين في المستويا اللغوبة كما يلي : ١~ المستوى الأول : لا يخرج عن حدود ما هو سطحي إذ لا يتعدى حدود السرد ، ويقف عند منطوق النص ، وهذا الشق هو مستوى كتابة النص أي قبل أن يخضع لتدخل تأويل القارىء ! ٢~المستوى الثاني :وهذا المستوى هو ديدن القصة القصيرة جدا إذ تفتح فضاءات دلالية ذات حمولات ،تستوجب القراءة لما وراء السطور أي الغوص في البنى العميقة للنص و تتعامل القصة مع اللغة من منظور التكثيف الحاد ، إذ يصبح الكاتب ملزما باحترام هذا الحيز الضيق جدا لكنه يتحول من خلال تقنيات هذا المبدع إلى عالم شاسع مليء بالصراعات والتناقضات من خلال الإحالات المليئة بالدلالات لأن لغة القصيرة جدا لغة إبحار في المجاز والترميز والإيحاء ،ولكن كما نلاحظ أن هذا يفقدها قيمتها السردية ،ومن خلال تأملنا للغة التي وظف الكاتب في هذا النص ،انها يغلب عليها التلغيز ، والتكثيف ، فيتبادر إلى ذهن القاريء للوهلة الأولى أن هذه الجمل التي لا تربطها روابط لفظية فيما بينها باستثناء واو عطف واحدة وأنها لا تمت لبعضها البعض بصلة تذكر فيحسبها مفككة البناء ، يقول الكاتب ( ارتفع على نزيف أصوات اشعراء يقتاتون بكلماتهم ،،،،،،،،يعلو صوت الجماهير وينخفض صوت السعادة ) وهكذا ذواليك لكن الجمل في هذه القصة أشبه من حيث التركيب والتكثيف بجمل القصيدة النثرية ، وفي كثير من الأحيان ما تنزاح القصيرة جدا إلى عالم القصيدة النثرية أو الخاطرة ،فإن الروابط ،اللفظية غالبا ما تشوش على جماليات البناء والكاتب كان أحرص على الاقتصاد فيها وفي اللغة بصفة عامة فالقصيرة جدا لامكان فيها للزوائد أبدا فكل كلمة لها أهمية كبرى في النص . فاللغة تمارس كينونتها وربطها معانيها من خلال السياقات التي توظف فيها الكلمات ،مع نوع من الدقة المتناهية ،والاقتصاد المفرط في كل ما من شأنه أن يخلق بلبلة في ذهن القاريء وينعكس سلبا على مستوى جماليات القصيرة جدا فهو في أكثر الأحيان يوظف اللغة الشعرية مع وعيه بضرورة الحفاظ على بناء القصة ، ، ولعل هذه اللغة الشعرية في هذه النص التي أراها شخصيا ،ناجحة بامتياز في هذا الانزياح اللغوي الرائع وبلاغة الغموض التي يستهدف منها تكسير المألوف ،وخلق اللغة الإبداعية البعيدة عن المباشرة والابتدال ، من خلال التركيب ، الذي ينهجه ، إذ يعمد إلى خلق التآلف بين ما اختلف من كلمات عندما يسندها إلى بعضها البعض ويجمع ما لا يجمع ، فإسناد كفن إلى الهواء على سبيل الإخبار ، جعل مزية الكلمتين معا تظهر ، وفضيلتهما تتحقق ، إذ تجمل الأولى بالثانية وتستمد الثانية جمالها من الأولى ،لإبداع الصورة التي يستعذبها القاريء وتخلق في نفسه لذة القراءة ، ويترك مسافة تسمح له بتأويل وتفسير الرموز وتفكيك المستغلق من هذه التراكيب وفضح المستور واستجلاء خفي الخفي في النص ، وبالتالي تحصل متعة التحليل والتأويل ، من طرف القارئ ، وما قلته عن الجملة الأولى نقيس عليها باقي الجمل الأخرى التي لا تقل أهمية عما سبق من بداية النص إلى نهايته ،كقوله (من فوق القمة ٠٠٠٠وهذا يعني غير ما تشير إليه الجملة على مستوى منطوق النص ٠٠٠٠٠٠٠ وكذلك تتناثر قيمه ٠٠٠٠٠٠٠ وأصبح نقطة سوداء ٠٠٠٠٠٠٠٠ ) وإن كان لا بد أن أشير إلى أن هذا الجنس المعقد من فن السرد ، قد يخرج عن بناء القصة القصيرة لأنه يخلو من الحكي ولا قص بدون حكي ولا حكي بدون قص الشيء الذي يجعلها تنحاز بشكل أو بآخر إلى جنس القصيدة النثرية كما سبق ذكره !
5-<><><>التكثيف والاختزال : يلاحظ كل من يقرأ هذه القصة ( انهيار ) أن جملها على مستوى التشكيل البصري ، تكاد تستقل عن بعضها البعض ، نظرا لكون الكاتب لا يوظف الروابط اللفظية التي قد لا يتسع المكان في القصة لها ،فالربط يتم على مستوى السياق الذي ترد فيه الجمل ! تشكل كل جملة في النص كما ضخما من الحمولات الدلالية التي تحتاج إلى نباهة القارئ و قدرته على تأويل ، وتفسير مستغلقات النص ،فكل جملة تختزل عالما مليئا بالإحالات ، والإشارات ولعل هذا التكثيف يجعل القصة تستحضر فضاءات غائبة أكثر منها حاضرة ، فعلى سبيل المثال يحيلنا الكاتب (من خلال : ارتفع على نزيف شعراء يقتاتون بكلماتهم ) على مرحلة من أهم مراحل تاريخ الأدب في المجتعات العربية ، والتي مثلها شعر المدح الذي حظي باهتمام النقاد العرب ، وهذه إشارة بشكل أو بآخر لها أهميةكبيرة لأن القصة القصيرة جدا مثلها مثل باقي الأجناس الأدبية الأخرى تمتح من تلك الترسبات النصية التي بصمت جدار الذاكرة البشرية على مر العصور ، وفي مختلف الأمكنة ومن خلال تلك النصوص الغائبة ،فهذه الميزة المتمثلة في الاختزال والتكثيف والتميز والإحالات تستدعي نوعا خاصا من الكتاب لأن هذا التكثيف والاختزال والتلميح والترميز تقنياته من تحدد بنية القصة القصيرة جدا !
6- <><><>الخاتمة : نستنتج من خلال قراءتنا لهذا النصيص أن الكاتب توفق في إدارة عالم مبني على الكثير من التناقضات في مساحة ضيقة مليميترية الحيز مبتسرة الكلمات،لا تسمح بزيادة أو بنقصان على مستوى اللغة أو الحدث أو الشخصيات ، ، ولم يقم بنقل الأحدات على علاتها وإنما قام بتفجيرها من الداخل .!!!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق